فصل: الْإِبْدَالُ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البرهان في علوم القرآن (نسخة منقحة)



.قَاعِدَةٌ:

إِذَا اجْتَمَعَ الْحَمْلُ عَلَى اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى، بُدِئَ بِاللَّفْظِ ثُمَّ بِالْمَعْنَى، هَذَا هُوَ الْجَادَّةُ فِي الْقُرْآنِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمِنَ النَّاسِ من يقول آمنا} أفرد أولا باعبتار اللَّفْظِ ثُمَّ جَمَعَ ثَانِيًا بِاعْتِبَارِ الْمَعْنَى فَقَالَ: {وما هم بمؤمنين} فَعَادَ الضَّمِيرُ مَجْمُوعًا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تحتها الأنهار} فَعَادَ الضَّمِيرُ مِنْ (يُدْخِلْهُ) مُفْرَدًا عَلَى لَفْظِ (مَنْ) ثُمَّ قَالَ (خَالِدِينَ) وَهُوَ حَالٌ مِنَ الضَّمِيرِ.
وَقَوْلِهِ: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا على قلوبهم}.
وَقَوْلِهِ: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلَا تفتني ألا في الفتنة سقطوا}.
وَقَوْلِهِ: {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا من فضله} إِلَى قَوْلِهِ: {فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا به}.
وَقَدْ يَجْرِي الْكَلَامُ عَلَى أَوَّلِهِ فِي الْإِفْرَادِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ} الْآيَتَيْنِ فَكَرَّرَ فِيهَا ثَمَانِيَةَ ضَمَائِرَ كُلُّهَا عَائِدٌ عَلَى لَفْظِ (مَنْ) وَلَمْ يَرْجِعْ مِنْهَا شَيْءٌ عَلَى مَعْنَاهَا مَعَ أَنَّ الْمَعْنَى عَلَى الْكَثْرَةِ.
وَقَدْ يُقْتَصَرُ عَلَى مَعْنَاهَا فِي الْجَمِيعِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى فِي سُورَةِ يُونُسَ: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ}. وَمَا ذَكَرْنَا مِنَ الْبَدَاءَةِ بِاللَّفْظِ عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ هُوَ الْكَثِيرُ قَالَ الشَّيْخُ عَلَمُ الدِّينِ الْعِرَاقِيُّ: ولم يجيء فِي الْقُرْآنِ الْبَدَاءَةُ بِالْحَمْلِ عَلَى الْمَعْنَى إِلَّا فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الْأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا ومحرم على أزواجنا} فَأَنَّثَ (خَالِصَةٌ) حَمْلًا عَلَى مَعْنَى (مَا) ثُمَّ رَاعَى اللَّفْظَ فَذَكَّرَ وَقَالَ: {وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا}.
وَاعْتَرَضَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ وَقَالَ: إِنَّمَا يَتِمُّ مَا قَالَهُ مِنَ الْبَدَاءَةِ بِالْحَمْلِ عَلَى الْمَعْنَى فِي ذلك إذا كان ان الضمير الذي في الصلة التي فِي بُطُونِ هَذِهِ الْأَنْعَامِ يُقَدَّرُ مُؤَنَّثًا أَمَّا إِذَا قُدِّرَ مُذَكَّرًا فَالْبَدَاءَةُ إِنَّمَا هُوَ بِالْحَمْلِ عَلَى اللَّفْظِ.
وَأُجِيبَ بِأَنَّ اعْتِبَارَ اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى أَمْرٌ يَرْجِعُ إِلَى الْأُمُورِ التَّقْدِيرِيَّةِ لِأَنَّ اعْتِبَارَ الْأَمْرَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا إِنَّمَا يَظْهَرُ فِي اللَّفْظِ وإذا كان كذلك صدق أنه إنما بدئ فِي الْآيَةِ بِالْحَمْلِ عَلَى الْمَعْنَى فَيَتِمُّ كَلَامُ الْعِرَاقِيِّ.
وَنَقَلَ الشَّيْخُ أَبُو حَيَّانَ فِي تَفْسِيرِهِ عَنِ ابْنِ عُصْفُورٍ: أَنَّ الْكُوفِيِّينَ لَا يُجِيزُونَ الْجَمْعَ بَيْنَ الْجُمْلَتَيْنِ إِلَّا بِفَاصِلٍ بَيْنَهُمَا وَلَمْ يَعْتَبِرِ الْبَصْرِيُّونَ الْفَاصِلَ، قَالَ: وَلَمْ يَرِدِ السَّمَاعُ إِلَّا بِالْفَاصِلِ كَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْكُوفِيُّونَ. وَنَازَعَهُ الشَّيْخُ أَثِيرُ الدِّينِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقَالُوا لَنْ يدخل الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى}، وقال: ألا تراه كيف جمع بين الجمليتن دُونَ فَصْلٍ! انْتَهَى.
وَالَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ عُصْفُورٍ فِي شَرْحِ (الْمُقَرَّبِ): شَرَطَ الْكُوفِيُّونَ فِي جَوَازِ اعْتِبَارِ اللَّفْظِ بَعْدَ اعْتِبَارِ الْمَعْنَى الْفَصْلَ فَيُجَوِّزُونَ: مَنْ يَقُومُونَ الْيَوْمَ وَيَنْظُرُ فِي أَمْرِنَا إِخْوَتُنَا وَلَا يُجَوِّزُونَ: مَنْ يَقُومُونَ وَيَنْظُرُ فِي أَمْرِنَا إِخْوَتُنَا لِعَدَمِ الْفَصْلِ وَإِنَّمَا وَرَدَ السَّمَاعُ بِالْفَصْلِ. انْتَهَى.
وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْكُوفِيِّينَ لَا يَشْتَرِطُونَ الْفَصْلَ عِنْدَ اجْتِمَاعِ الْجُمْلَتَيْنِ إِلَّا أَنْ يُقَدَّمَ اعْتِبَارُ الْمَعْنَى وَيُؤَخَّرَ اعْتِبَارُ اللَّفْظِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى} إِنَّمَا بُدِئَ فِيهِ بِالْحَمْلِ عَلَى اللَّفْظِ.
وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: إِذَا حُمِلَ عَلَى اللَّفْظِ جَازَ الْحَمْلُ بَعْدَهُ عَلَى الْمَعْنَى وَإِذَا حُمِلَ عَلَى الْمَعْنَى ضَعُفَ الْحَمْلُ بَعْدَهُ عَلَى اللَّفْظِ لِأَنَّ الْمَعْنَى أَقْوَى فَلَا يَبْعُدُ الرُّجُوعُ إِلَيْهِ بَعْدَ اعْتِبَارِ اللَّفْظِ وَيَضْعُفُ بَعْدَ اعْتِبَارِ الْمَعْنَى الْقَوِيِّ الرُّجُوعُ إِلَى الْأَضْعَفِ.
وَهَذَا مُعْتَرَضٌ بِأَنَّ الِاسْتِقْرَاءَ دَلَّ عَلَى أَنَّ اعْتِبَارَ اللَّفْظِ أَكْثَرُ مِنِ اعْتِبَارِ الْمَعْنَى وَكَثْرَةُ مَوَارِدِهِ تَدُلُّ عَلَى قَوْلِهِ وَأَمَّا الْعَوْدُ إِلَى اللَّفْظِ بَعْدَ اعْتِبَارِ الْمَعْنَى فَقَدْ وَرَدَ بِهِ التَّنْزِيلُ كَمَا وَرَدَ بِاعْتِبَارِ الْمَعْنَى بَعْدَ اعْتِبَارِ اللَّفْظِ فَثَبَتَ أَنَّهُ يَجُوزُ الْحَمْلُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَعْدَ الْآخَرِ مِنْ غَيْرِ ضَعْفٍ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لله ورسوله وتعمل صالحا} فَقَرَأَهُ الْجَمَاعَةُ بِتَذْكِيرِ (يَقْنُتْ) حَمْلًا عَلَى لَفْظِ (من) في التذكير (وتعمل) بِالتَّأْنِيثِ حَمْلًا عَلَى مَعْنَاهَا لِأَنَّهَا لِلْمُؤَنَّثِ. وَقَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ (يَعْمَلْ) بِالتَّذْكِيرِ فِيهِمَا حَمْلًا عَلَى لفظها.
رِعَايَةً لِلْمُنَاسَبَةِ فِي الْمُتَعَاطِفَيْنِ. وَتَوْجِيهُ الْجَمَاعَةِ أَنَّهُ لَمَّا تَقَدَّمَ عَلَى الثَّانِي صَرِيحُ التَّأْنِيثِ فِي (مِنْكُنَّ) حَسُنَ الْحَمْلُ عَلَى الْمَعْنَى.
وَقَالَ أَبُو الْفَتْحِ فِي (الْمُحْتَسِبِ): لَا يَجُوزُ مُرَاجَعَةُ اللَّفْظِ بَعْدَ انْصِرَافِهِ عَنْهُ إِلَى الْمَعْنَى.
وَقَدْ يُورَدُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ وَإِنَّهُمْ ليصدونهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون} ثم قال: {حتى إذا جاءنا} فَقَدْ رَاجَعَ اللَّفْظَ بَعْدَ الِانْصِرَافِ عَنْهُ إِلَى الْمَعْنَى إِلَّا أَنْ يُقَالَ: إِنَّ الضَّمِيرَ فِي جَاءَ يَرْجِعُ إِلَى الْكَافِرِ لِدَلَالَةِ السِّيَاقِ عَلَيْهِ لَا إِلَى (مَنْ).
وَمِنْهُ الْفَرْقُ بَيْنَ (أَسْقَى) وَ: (سَقَى) بِغَيْرِ هَمْزٍ لِمَا لَا كُلْفَةَ مَعَهُ فِي السُّقْيَا وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَسَقَاهُمْ ربهم شرابا طهورا} فَأَخْبَرَ أَنَّ السُّقْيَا فِي الْآخِرَةِ لَا يَقَعُ فِيهَا كُلْفَةٌ بَلْ جَمِيعُ مَا يَقَعُ فِيهَا مِنَ الْمَلَاذِّ يَقَعُ فُرْصَةً وَعَفْوًا بِخِلَافِ (أَسْقَى) بِالْهَمْزَةِ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ فِيهِ مِنَ الْكُلْفَةِ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُخَاطَبِينَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتًا} {لأسقيناهم ماء غدقا} لِأَنَّ الْإِسْقَاءَ فِي الدُّنْيَا لَا يَخْلُو مِنَ الْكُلْفَةِ أَبَدًا.
وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شيء موزون}، قَالَ أَبُو سَلَمَةَ مُحَمَّدُ بْنُ بَحْرٍ الْأَصْبَهَانِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ: إِنَّمَا خُصَّ الْمَوْزُونُ بِالذِّكْرِ دُونَ الْمَكِيلِ لِأَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ غَايَةَ الْمَكِيلِ يَنْتَهِي إِلَى الْمَوْزُونِ لِأَنَّ سَائِرَ الْمَكِيلَاتِ إِذَا صَارَتْ قِطَعًا دَخَلَتْ فِي بَابِ الْمَوْزُونِ وَخَرَجَتْ عَنِ الْمَكِيلِ فَكَانَ الْوَزْنُ أَعَمَّ مِنَ الْمَكِيلِ.
وَالثَّانِي: أَنَّ فِي الْمَوْزُونِ مَعْنَى الْمَكِيلِ لِأَنَّ الْوَزْنَ هُوَ طَلَبُ مُسَاوَاةِ الشَّيْءِ بِالشَّيْءِ.
وَمُقَايَسَتُهُ وَتَعْدِيلُهُ بِهِ وَهَذَا الْمَعْنَى ثَابِتٌ فِي الْمَكِيلِ فَخُصَّ الْوَزْنُ بِالذِّكْرِ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى مَعْنَى الْمَكِيلِ.
وَقَالَ الشَّرِيفُ الْمُرْتَضَى فِي (الْغُرَرِ): هَذَا خِلَافُ الْمَقْصُودِ بَلِ الْمُرَادُ بِالْمَوْزُونِ الْقَدْرُ الْوَاقِعُ بِحَسْبِ الْحَاجَةِ فَلَا يَكُونُ نَاقِصًا عَنْهَا وَلَا زَائِدًا عَلَيْهَا زِيَادَةً مُضِرَّةً.
وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا}، فَذَكَرَ فِي مُدَّةِ اللُّبْثِ السَّنَةَ وَفِي الِانْفِصَالِ الْعَامِ لِلْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّهُ كَانَ فِي شَدَائِدَ فِي مُدَّتِهِ كُلِّهَا إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا قَدْ جَاءَهُ الْفَرَجُ وَالْغَوْثُ فَإِنَّ السَّنَةَ تُسْتَعْمَلُ غَالِبًا فِي مَوْضِعِ الْجَدْبِ وَلِهَذَا سَمُّوا شِدَّةَ الْقَحْطِ سَنَةً.
قَالَ السُّهَيْلِيُّ: وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ قَدْ عَلِمَ أَنَّ عُمْرَهُ كَانَ أَلْفًا إِلَّا أَنَّ الْخَمْسِينَ مِنْهَا كَانَتْ أَعْوَامًا فَيَكُونُ عُمُرُهُ أَلْفَ سَنَةٍ يَنْقُصُ مِنْهَا مَا بَيْنَ السِّنِينَ الشَّمْسِيَّةِ وَالْقَمَرِيَّةِ فِي الْخَمْسِينَ خَاصَّةً لِأَنَّ الْخَمْسِينَ عَامًا بِحَسْبِ الْأَهِلَّةِ أَقَلُّ مِنْ خَمْسِينَ سنة شمسية بنحو عَامٍ وَنِصْفٍ.
وَابْنِ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى قَوْلَهُ: {فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ} وقوله: {ألف سنة مما تعدون} فَإِنَّهُ كَلَامٌ وَرَدَ فِي مَوْضِعِ التَّكْثِيرِ وَالتَّتْمِيمِ بِمُدَّةِ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَالسَّنَةُ أَطْوَلُ مِنَ الْعَامِ.

.النَّحْتُ:

نَحْوَ الْحَوْقَلَةِ وَالْبَسْمَلَةِ، جَعَلَهُ ابْنُ الزَّمْلَكَانِيِّ مِنْ نُظُومِ الْقُرْآنِ وَمَثَّلَهُ بِقَوْلِهِ: {وَكَفَى بِاللَّهِ شهيدا}، قال: وكفى من كفتيه الشيء ولم يجيء للعرب كفتيه بِالشَّيْءِ فَجَعَلَ بَيْنَ الْفِعْلَيْنِ الْفِعْلَ الْمَذْكُورَ وَهُوَ مُتَعَدٍّ وَخَصَّ مِنَ الْفِعْلِ اللَّازِمِ وَهُوَ اكْتَفَيْتُ بِهِ بِالْبَاءِ وَكَذَلِكَ انْتَصَبَ (شَهِيدًا) عَلَى التَّمْيِيزِ أَوِ الْحَالِ كَأَنَّهُ قِيلَ: كَفَى بِاللَّهِ فَاكْتَفِ بِهِ فَاجْتَمَعَ فِيهِ الْخَبَرُ وَالْأَمْرُ.

.الْإِبْدَالُ:

مِنْ كَلَامِهِمْ إِبْدَالُ الْحُرُوفِ وَإِقَامَةُ بَعْضِهَا مَقَامَ بَعْضٍ يَقُولُونَ: مَدَحُهُ وَمَدَهَهُ وَهُوَ كَثِيرٌ أَلَّفَ فِيهِ الْمُصَنِّفُونَ وَجَعَلَ مِنْهُ ابْنُ فَارِسٍ قَوْلَهُ تَعَالَى: {فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ العظيم}، فَقَالَ: فَالرَّاءُ وَاللَّامُ مُتَعَاقِبَانِ، كَمَا تَقُولُ الْعَرَبُ: فَلَقُ الصُّبْحِ وَفَرَقُهُ. قَالَ: وَذُكِرَ عَنِ الْخَلِيلِ- وَلَمْ أَسْمَعْهُ سَمَاعًا- أَنَّهُ قَالَ فِي قَوْلِهِ تعالى: {فجاسوا خلال الديار} إِنَّمَا أَرَادَ فَحَاسُوا فَقَامَتِ الْجِيمُ مَقَامَ الْحَاءِ.
قَالَ ابْنُ فَارِسٍ: وَمَا أَحْسَبُ الْخَلِيلَ قَالَ هَذَا وَلَا أَحُقُّهُ عَنْهُ.
قُلْتُ: ذَكَرَ ابْنُ جِنِّيٍّ فِي (الْمُحْتَسِبِ): أَنَّهَا قِرَاءَةُ أَبُو السَّمَّالِ، وَقَالَ: قَالَ أَبُو زَيْدٍ- أَوْ غَيْرُهُ: قُلْتُ لَهُ: إِنَّمَا هُوَ (فَجَاسُوا) فَقَالَ: حَاسُوا وَجَاسُوا وَاحِدٌ. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ بَعْضَ الْقُرَّاءِ يَتَخَيَّرُ بِلَا رِوَايَةٍ وَلِذَلِكَ نَظَائِرُ. انْتَهَى.
وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ ابْنُ جِنِّيٍّ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ وَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَقْرَأَ إِلَّا بِالرِّوَايَةِ. وَقَوْلُهُ: (إِنَّهُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ) لَا يُوجِبُ الْقِرَاءَةَ بِغَيْرِ الرِّوَايَةِ كَمَا ظَنَّهُ أَبُو الْفَتْحِ وَقَائِلُ ذَلِكَ والقارئ بِهِ هُوَ أَبُو السَّوَّارِ الْغَنَوِيُّ لَا أَبُو السَّمَّالِ فَاعْلَمْ ذَلِكَ. كَذَلِكَ أَسْنَدَهُ الْحَافِظُ أَبُو عَمْرٍو الدَّانِيُّ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا الْمَازِنِيُّ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا السَّوَّارِ الْغَنَوِيَّ، فَقَرَأَ: (فَحَاسُوا) بِالْحَاءِ غَيْرِ الْجِيمِ فَقُلْتُ: إِنَّمَا هُوَ (فَجَاسُوا) قَالَ: حَاسُوا وَجَاسُوا وَاحِدٌ، وَيَعْنِي أَنَّ اللَّفْظَيْنِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَإِنْ كَانَ أَرَادَ أَنَّ الْقِرَاءَةَ بِذَلِكَ تَجُوزُ فِي الصَّلَاةِ وَالْغَرَضُ كَمَا جَازَتْ بِالْأُولَى فَقَدْ غَلِطَ فِي ذَلِكَ وَأَسَاءَ.
وَزَعَمَ الْفَارِسِيُّ فِي تَذْكِرَتِهِ فِي قَوْلِهِ: {إِنِّي أحببت حب الخير}، أَنَّهُ بِمَعْنَى حُبِّ الْخَيْلِ وَسُمِّيَتِ الْخَيْلُ خَيْرًا لِمَا يَتَّصِلُ بِهَا مِنَ الْعِزِّ وَالْمَنَعَةِ كَمَا رُوِيَ: «الْخَيْلُ مَعْقُودٌ بِنَوَاصِيهَا الْخَيْرُ» وَحِينَئِذٍ فَالْمَصْدَرُ مُضَافٌ إِلَى الْمَفْعُولِ بِهِ.
وَقِيلَ فِي قَوْلِهِ تعالى: {وأرسلنا الرياح لواقح} إِنَّ أَصْلَهُ مَلَاقِحَ لِأَنَّهُ يُقَالُ: أَلْقَحَتِ الرِّيحُ السَّحَابَ أَيْ جَمَعَتْهُ وَكُلُّ هَذَا تَفْسِيرُ مَعْنًى وَإِلَّا فَالْوَاجِبُ صَوْنُ الْقُرْآنِ أَنْ يُقَالَ فِيهِ مِثْلُ ذَلِكَ.
وَذَكَرَ أَبُو عُبَيْدَةَ فِي قَوْلِهِ: {إلا مكاء وتصدية}، مَعْنَاهُ (تَصْدِدَةً) فَأَخْرَجَ الدَّالَ الثَّانِيَةَ يَاءً لِكَسْرِ الدَّالِ الْأُولَى كَمَا حَكَاهُ صَاحِبُ (التَّرْقِيصِ).
وَحُكِيَ عن أبي رياش في قول امرئ الْقَيْسِ:
فَسُلِّي ثِيَابِي مِنْ ثِيَابِكِ تَنْسَلِي

مَعْنَاهُ: (تَنْسَلِلْ) فَأَخْرَجَ اللَّامَ الثَّانِيَةَ (يَاءً) لِكَسْرَةِ اللَّامِ الْأُولَى وَمِثْلُهُ قَوْلُ الْآخَرِ:
وَإِنِّي لَأَسْتَنْعِي وَمَا بِي نَعْسَةٌ ** لَعَلَّ خَيَالًا مِنْكِ يَلْقَى خَيَالِيَا

أَرَادَ أَسْتَنْعِسُ، فَأَخْرَجَ السِّينَ يَاءً.
وَقَالَ الْفَارِسِيُّ فِي (التَّذْكِرَةِ) قَرَأَ أَبُو الْحَسَنِ- أَوْ مَنْ قَرَأَ لَهُ- قَوْلَهُ تَعَالَى فِيمَا حَكَى عَنْ يَعْقُوبَ فِي الْقَلْبِ وَالْإِبْدَالِ: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغ ولا عاد}، (غير عَائِدٍ)، وَاسْتَحْسَنَهُ الْفَارِسِيُّ أَلَّا يَعُودَ إِلَيْهِ كَمَا يَعُودُ فِي حَالِ السَّعَةِ مِنَ الْعَشَاءِ إِلَى الغذاء.
وَقِيلَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وبنات}: إن خرقه واخترقه وخلقه واختلقه بمعنى هُوَ قَوْلُ أَهْلِ الْكِتَابَيْنِ فِي الْمَسِيحِ وَعُزَيْرٍ وَقَوْلُ قُرَيْشٍ فِي الْمَلَائِكَةِ.
وَجَوَّزَ الزَّمَخْشَرِيُّ كَوْنَهُ مِنْ خَرَقَ الثَّوْبَ إِذَا شَقَّهُ أَيْ أَنَّهُمُ اشْتَقُّوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ.